كان هناك في قديم الزمن في صنعاء القديمة رجل يبيع (البز) القماش النسائي في محله .. وكان قد كتب شعراً في باب محله مضمونه أن كيد النساء ضعيف .. وأن الله لم يقل عليه في كتابه (أن كيدهن عظيم) إلا استخفافاً في النساء وكيدهن ..
فرأت ذلك الشعر أحد النساء الذكيات .. فقالت : والله لأكيدن له كيداً يجعله يؤمن بكيد النساء ..
فذهبت إليه وكانت جميلة جداً ، وبدأت في طلب بعض القماش : أعطيني هاذك القطعة .. رويني تلك القطعة .. وهي تشير بأيديها الناعمة والبيضاء .. فلفتت انتباهه لجمالها وحسنها ونعومتها .. وكان أعزب .. فلم يستحمل ذلك الإغراء فأمسك يدها ..
فقالت له : كيف تتجرءا أن تمسك يدي ، وأنا بنت فلان أبن فلان .. الشيخ أبن الشيخ .. والله لا يكون جزائك إلا القتل ..
فقال لها : ما ستطعت على ذلك .. ولا بد أن أتزوجك .. وإلا كانت الفضيحة علي وعليك ..
فقالت له .. أنا أيضا ً معجبة بك .. ولكن هناك موانع تحيل بين زواجنا ..
فقال : ما هي
قالت : أنا بنت مشائح كبار .. وأنا أهلي لن يزوجوني لكي إلا إذا طلبوا مبلغاً كبيراً من المال ..
قال : وما العمل .
قالت : لا .. عندي لكي حل ..
قال : ما هو.
قالت : أن ترهن منزلك ومحلك .. وأنا أوعدك بأننا بعد الزواج سوف أرجع لك مهرك وزيادة .. لأنني أملك من المال الكثير ..
قال : موافق وعلى بركة الله .
قالت : ولكنك لما تجيء إلى أبي .. سوف يقول لك بأن أبنته عمياء ، درناء ، عجماء ، كسحاء (مشلولة القدمين واليدين) . وهو يقول ذلك لكل من يتقدم لي حتى لا أتزوج وأبقى عنده في البيت. خوفاً منه على ماله . ولكن أنت تعرف الحقيقة .. فإذا قال لك ذلك فوافق ..
قال : على بركة الله وسوف أزور أبوك غداً أن شاء الله .
وقام من فوره يبحث عن المال ورهن دكانه وبيته وكل ما يملك .. وجمع مائة ريال (فرانصي) – عملة ما قبل الثورة-.. وذهب إلى منزل أبيها .. وطلب يدها ..
فقال له الأب : يا ولدي ولكن بنتي فلانه عمياء ، درناء ، عجماء ، كسحاء (مشلولة القدمين واليدين).
فقال له : أنا جئت أناسبك أنت وليس لي في الجمال والمطامع شيء ..
فقال له الأب : على بركة الله وسوف نخاطب أخوالها في الأمر ..
فقال له : لا داعي لنخاطب أخوالها ولا أعمامها .. أنا جاهز وهذه مائة ريال فرانصي .. وانا مستعجل جداً ..
فلم يجد الأب مفراً أن يوافق على طلبات هذا الملح على الزواج ..
وتم الزواج .. وزفت العروس له . ودخل عليها .. وإذا بها عمياء ، درناء ، عجماء ، كسحاء (مشلولة القدمين واليدين) فعلاً .. وليست تلك التي جاءت له في الدكان ..
وجلس بجوارها طوال الليل يبكي على كل ما أصابه من مصائب ..
ولم يطلع عليه النهار حتى خرج من منزله ضائق صدره (ضابح)
فلقيته المرأة تلك : صباح الخير يا حريو (ياعريس) ، دام الله السرور ..
هو : لا صبحك ولا رضي عليك يا فاعله يا بنت الفاعل .. هكذا تفعلين بي وتخربين بيتي وتجارتي ..
هي تضحك وتقول له : لا تحزن أنا مثل ما دخلت فيها أخرجك منها غانم ..
هو : وما هو الحل .
هي : أذهب الآن إلى سوق المحدادة (الحديد) واشتري عدة الحجامة . وفعل كذا وكذا وكذا ..
هو : وافق على مقترحها .. وبداء في تنفيذ خطتها ..
بعد ساعات جاء أخوالها وأعمامها وأبوها لزيارة العروس .. فتلقاهم العريس وهو يبوس أقدامهم وركبهم ..
مرحباً يا سيدي فلان .. مرحباً يا سيدي فلان …
تعجب الأخوال والأعمام والأب من ذلك التصرف الذي لا يصدر إلى من شخص ناقص (مزين) للمشائخ والسادة.
قال لهم : اليوم صبوحكم عندي ..
وأدخلهم إلى مكان أخر وكانت المقالي مغطاية بالتور (جمع تورة) والمقالي فارغات لي بها أكل لأنهم لن ياكلوا عندها حسب خطة البنت الذكية ..
فلما دخلوا المكان رأى خالها الكبير أدوات الحجامة في صفيف البيت ..
فقال له : ماذا تعمل يا نسب ؟
قال له : أنا مزين يا سيدي وعيني ..
توجه الخال غاضباً إلى والد العروس .وقال له : تناسب مزين يا فاعل يا تارك .. لماذا هل طمعت في فلوسه .. أما ماذا ناقصك .. أم تريد أن تتخلص من المسكينة هذه بأي حال ..؟؟؟
ثم توجه الخال الأكبر إلى العريس قائلا ً: الآن تطلق بنتنا ..
قال لهم : أطلق كيف وأنا خسرت كذا وكذا من المال والهدايا وغيره ..
ففرقوا له كلهم ماله مضاعفاً وأصروا على أنهم لن يخرجوا إلا ببنتهم ..
فطلقها وأخذوها ..
وقام هو ففك رهن البيت والمحل وقضى دينه .. وفتح دكانه ..
وإذا بالبنت الذكية تدخل عليه ..
وتقول له : الآن كيف رأيت كيد النساء ..
قال : الآن أمنت بهذا. وأنا تحت أمرك.
قالت : قم حالاً وشطب هذا الشعر ، وكتب بدله الآية (أن كيدهن عظيم)..