في أيام الاحتلال التركي لبلادنا لقي الأتراك مقاومة شديدة من أبناء الشعب اليمني الرافض للاحتلال حتى أن اليمن سميت بمقبرة الغزاة وقد جعل سنان باشا أحد قادة الأتراك يأتي بالأرانيط المتوحشين بكروشهم المنفوخة وشواربهم الطويلة وأشكالهم الغريبة والرهيبة لحراسة أبواب صنعاء السبعة (باب اليمن – باب شعوب – باب ستران – باب القاع – باب البلقة – باب الروم – باب الشقاديف) وقد كان سكان مدينة صنعاء يفقدون كل يوم طفلا من الأطفال حتى عم الخوف المدينة وقاموا بمسيرة طويلة إلى مقر الوالي العثماني وسمح الوالي بدخول المشايخ والعقال والأعيان إليه واستمع إلى شكواهم وقلقهم من فقدان طفل في كل يوم وخصوصا بعد الظهر .. عندها أراد زرع الخلاف بين الأخوة سكان الريف وسكان المدينة من أجل إضعافهم وقال : لا يقوم بهذا العمل إلا القبائل وسوف أمنعهم من دخول صنعاء فرفض أهالي صنعاء وعندها قرر أن يمنع القبائل من المبيت في صنعاء ومن دخل صنعاء عليه أن يبتاع ويشتري طول اليوم إلى أن ينطلق أذان العصر فيجب خروج القبائل فورا وأي قبيلي يوجد في صنعاء بعد صلاة العصر فدمه مباح وقد أراد بذلك أن يقتل الأخ أخاه فوافق أهل صنعاء على إغلاق أبواب صنعاء ولكنهم لم يقبلوا بأن يقوموا بقتل إخوتهم القبائل ومرت الأيام وكانت القبائل بمجرد سماعهم لأذان العصر يغادروا صنعاء فورا حتى لا يقتلوا على أيدي الأرانيط المتوحشين الذين أباح لهم سنان باشا دمائهم..
وفي أحد الأيام دخل إلى سوق البقر أحد أبناء قبيلة همدان القريبة من صنعاء ليبيع الثور الخاص به واستمر إلى وقت العصر يعرضه للبيع إلى أن سمع أذان العصر فتذكر الموت الذي ينتظره لو لم يخرج من صنعاء عندها أسرع بثوره إلى أقرب سمسرة من المقاهي المجاورة لسوق البقر وقال لصاحب السمسرة: خذ ثوري عندك إلى صباح غد حتى أعود إليك وأخذ المقهوي الثور والعلف وأربع بقش إيجار السمسرة وخرج صاحب همدان من سوق البقر بحذر وعندما وصل إلى بداية شارع أزدمر (الزمر حاليا) المؤدي إلى باب شعوب شاهد العساكر يغلقون باب شعوب الذي كان سيخرج منه ودخل من شارع إلى شارع في حي الأتراك المعروف بحارة الزمر إلى أن وجد نوبة في طرف أحد البساتين من بساتين بيوت الأتراك مهدمة داخل النوبة المبنية من الطين ليختبئ بها وخيم الظلام وشاهد من بعد ومن داخل نافذة ضيقة بصيص نور في بيت قديم مهجور في داخل البستان وقرر الذهاب إلى مصدر النور عله يجد أحد يسمح له بالمبيت عنده وتوجه نحو المنزل وقرع الباب ولم يجبه أحد فدفع الباب ودخل في ممر طويل إلى أن وصل إلى غرفة مضاءة بنوارة كبيرة ومفروشة بفراش كامل وفي أسفلها إناء فيه ماء يغلي فوق النار وصاح بصاحب البيت ولم يجبه أحد ثم شاهد غرفة صغيرة في نهاية الممر عندها حدث نفسه قائلا قد يكون هذا بيت أحد الأتراك ولو وجدني لقتلني فالأفضل أن أختبئ في الغرفة الصغيرة وأراقبه حتى ينام وأنام ساعتين حتى يقترب الفجر وأخرج من البيت وجلس يراقب ما سيحصل..
وبعد قليل وصل أرنوطي طويل القامة منفوخ الكرش طويل الشارب أحمر الخدين وكان يحمل فوق كتفه كيس وأخرج من الكيس طفلا كان قد خنقه وأخذ السكين وقطع رأسه وأرجله ويديه وفقر بطنه وقطع جسمه إلى قطع ورماها في ذلك القدر وأخذ ما في الصحن الذي قطع فيه جسم الطفل وخرج إلى حفرة في البستان الكبير ودفن قطعة القماش بما فيها ثم عاد إلى الغرفة وأخرج من الخزنة التي فيها قارورة خمر وشرب منها إلى أن ثمل وصاحب همدان يراقب كل ما يحدث فحدث نفسه قائلا: أعظم عمل أقوم به أن أقفز الآن من مكاني وأستل جنبيتي هذه وأقتل عدو الله وعدو الشعب اليمني .. وقفز صاحب همدان قفزة الأبطال واستل جنبيته وطعن الأرنوطي عدة طعنات حتى لفظ أنفاسه وخرج من البيت الموحش إلى النوبة وبات فيها إلى وقت أذان الفجر وخرج إلى الجامع وصلى الفجر ثم غادر إلى قريته تاركا ثوره عند المقهوي صاحب السمسرة..
وفي اليوم الثاني جاء مجموعة من قبائل نهم وأرحب لبنادقهم التي أودعوها في غرفة الأمانات في باب شعوب كالعادة فقال لهم العساكر أن الضابط الأرنوطي قائد كتيبة الحراسة تأخر اليوم عن موعده للعمل وقرر القبائل الذهاب إلى منزله ووجدوه مقتولا بعدة طعنات وبجواره قارورة الخمر والطفل مقطع داخل القدر فصاحوا بأعلى صوتهم : وجدنا عدو الله غريمكم يا أهل صنعاء وجاء الناس رجالا ونساء وأطفالا لمشاهدة آكل لحوم البشر وهو مقتول ووجدوا الحفر التي كان يخبئ فيها ملابس الأطفال وساروا في مظاهرة كبيرة إلى سنان باشا وطلبوا منه إخراج عساكره إلى خارج صنعاء وإلا فسوف يقتلونهم واحدا تلو الآخر وتم إخراج العساكر إلى الأراضي الخاصة بجيش الاحتلال خارج صنعاء وتولى أبناء صنعاء الحراسة وجعلوا لهم قائدا إسمه شيخ الليل..
وقد اجتمع شيخ صنعاء محسن معيض بأعيان صنعاء وقال لهم لن يقوم بهذا العمل البطولي إلا بطل من الأبطال وأنا أرى أن نجمع المقهويين أصحاب السماسر ونسألهم من بات عندهم من القبائل ليلة قتل الارنوطي وتم جمع المقهويين وقال أحدهم: أحد القبائل سلم لي الثور حقه ولم يأتي عليه حتى الآن فأمر محسن معيض بأن يأتوا بالثور وأعطاه لأحد الخيالة وقال له: خلي الثور عندك بدون أكل وشرب يوم وليلة ثم أخرجه وأتبعه بحصانك إلى أن يصل إلى القرية اللي جاء منها وسوف نعرف صاحب الثور وعندما أخرج أخرج الخيال الثور من حبسه وصل إلى قرية شملان إحدى قرى قبيلة همدان ووقف الثور في صاحبه والخيال يتبعه وعندما رأى صاحب همدان الثور سأل الخيال: من أين جئت بثوري؟ قال الخيال: من عند المقهوي وتعال معي إلى شيخ صنعاء وعندما وصل صاحب همدان إلى محسن معيض قدموا له أعيان صنعاء شكرهم وامتنانهم لعمله العظيم وشرح لهم القصة من أولها إلى آخرها.